لم تحظ هذه الجمهورية الوليدة جذب اهتمام أنظار العالم عامة و أشقائها العرب خاصة منذ اعلان انسحابها من وحدة الصومال فى عام ١٩٩١ والغفران من خطيئة اتحادها مع الجنوب والتى لاجلها ألغت استقلالها فى عرض الحائط كدولة معترفة بها آنذاك فى الامم المتحدة فى ١٩٦٠ املا فى تحقيق الصومال الكبرى التى لم تجن من وراء هذا الاتحاد الا التدمير والقتل والابادة الجماعية على يد نظام سياد برى فى الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضى.
فبعد اعلان استعادة استقلالها فى عام ١٩٩١ وانفصالها من الصومال وإعلان نفسها جمهورية ارض الصومال او صوماليلاند وهو الاسم الذى كان تحمله إبان الاستعمار البريطاني، قامت هذه الجمهورية على يد زعماء القبائل وأعيانها الى جانب السياسيين وجميع اطياف المجتمع عقد مصالحة وطنية شاملة التى تعد فريدة من نوعها بين القبائل دون تدخلات خارجية على طى صفحةًالماضى والتوجه الى بناء هذا الوطن وتحقيق حلم وطن مستقل بعد ذلك المخاض العسير الذى ضحوا من اجله الغالى والنفيس حيث تحولت جميع مدن الشمال برمتها من جراء قصف الطائرات الى ركام وأطلال من العصور الغابرة ومن ثم يستحيل البقاء دولة واحدة مع الشطر المرتكب لهذا العدوان والظلم .
ومنذ ذلك الحين وزهاء ثمانية وعشرين سنة استمتعت هذه الجمهورية باستتاب الأمن وشهدت نموا اقتصاديا وازدهارا فى الحياة عامة يواكبها استقرار سياسى نتج عنه بناء موسسات الدولة بما فيه تأسيس جيش وطنى ووحدات الشرطة المختلفة، كما تمت طباعة جواز صوماليلاندى خاص لتكتمل بذلك حلقة مواصفات دولة حديثة وشروطها بعرفها القانوني .
وقد اجريت فيها خلال تلك المدة انتخابات برلمانية ورئاسية تناوب فيها الحكم خمسة روساء على خلاف ما كان جاريا فى الشطر الجنوبي من اندلاع حرب أهلية ودخول العاصمة وبقية المناطق الى نفق مظلم من دوامة وعنف.
الا ان الغريب فى الامر ورغم كل هذه الإنجازات الذى حققته جمهورية صوماليلاند من تطورات فى جميع الاصعدة واستكمالها الشروط المطلوبة للاعتراف بها دولة مستقلة دوليا الا ان ذلك الحلم لم يتحقق وان بات يلوح على الأفق حاليا اقرب مقارنة فيما مضى .
لم يثن هذا الامر ساسة هذه الدولة وشعبها عن التنازل فيما يَرَونه قضية عادلة بانسحابهم من الوحدة واسترجاع دولتهم وأن تعتبر كغيرها من اتحادات دول عربية فاشلة لم يكتب لها النجاح كما حدث لكثير من دول عربية ولا اقل من ذلك فى الإجهاض الذى وقع على اتحاد السوري المصري.
بيد ان هذا الواقع على الارض وكون صوماليلاند دولة
فعالة متحركة اتاح لها التعامل مع دول العالم بصيغ مختلفة ، تارة على شبه دولة معترفة افتتحت خلالها دول قنصليات لها فى عاصمة هرجيسا تصدر للصوماليلاندين تأشيرات دخول بجوازات سفرهم صوماليلاندى ، وتراعى تلك القنصليات مصالح دولهم كما هو الامر مع دول الجوار مثل اثيوبيا وجيبوتى. وفى الجانب الاخر تاتى الدول الغربية التى تتعامل مع حكومات صوماليلاند المتعاقبة عن طريق علاقات غير رسمية ويتم التعاون معها على كافة الاصعدة الأمنية والعسكرية وفى مجالات التنمية والتقدم.
الا ان التطورات الاخيرة فى الخليج واليمن والتغيرات الاستراتيجية المتلاحقة موخرا فى قيام تحالفات جديدة مبنية على مصالح أمنية وتجارية من قوى مختلفة تتزعمها تركيا وإيران ، شدت انتباه دول الخليج على أهمية المنطقة عامة وصوماليلاند خاصة
والتى تقع فى موقع استراتيجى على خليج عدن .
فجمهورية صوماليلاند أعلنت لأول وهلة تأييدها محور الحلفاء فى الخلاف الخليجى حيث رعت فى ذلك مصلحتها السياسى والاقتصادى والتى تعد السعودية اكبر مستورد لاهم صادرات صوماليلاند المتمثل بالثروة الحيوانية، بالاضافة الى العلاقات التاريخية القديمة فى التجارة بين الصوماليلاند والإمارات حيث تعد الاخير ة الرئة التى تتنفس بها صوماليلاند فى التعامل مع العالم الخارجى تجارة وممرا للاستيراد.
وكانت باكورة اهتمام الخليج الحالي على صوماليلاند فى الوقت الحاضربدأت قبل سنتين بعقد شراكة تجارية بين صوماليلاند وشركة موانى دبى لتشغيل ميناء بربرة لمدة ثلاثين سنة. اما الاهتمام السياسى فقد برز بعد ان تحالفت حكومة مقديشو رغم إعلانها الحياد بايعاز من تركيا وإيران مع قطر فى الخلاف الحالي وقامت بإهانة الامارات علنا وفى محافل دولية برفع دعاوى باطلة ضد الامارات ومصالحها فى صوماليلاند والصومال عامة .
هذه التصرفات والقرارات المتهورة من مقديشو وتحالفها مع ايران وتركيا وضع امام دول الخليج والحلفاء واقعا حقيقيا لا مناص منه ، وهو ضروروة التعامل مع صوماليلاند واعترافها دولة مستقلة كما هو واقع الحال للحفاظ على عمقها الاستراتيجي ومصالحها الاقتصادىة.
وَالخطوة الاخيرة التى اتخذتها الامارات فى اعترافها الضمني للصوماليلاند وذلك للسماح بدخول الصوماليلانديين بجوازات سفرهم الى الامارات ما هو الا خطوة فى الاتجاه الصحيح وتدراك ما يمكن تداركه فى عدم تضييع هذه الحليفة وجعلها فريسة لأطماع ثعلب تركيا وربيبته قطر فى الاستحواذ بها بعد ان تفرغوا من مقديشو والصومال .
ومن ثم فلا بد من تشييد هذه الحركة التى انطلقت فى مواقع التواصل الاجتماعي من مفكرين وسياسيين ومثقفين سعوديين بحتمية اعتراف صوماليلاند رسميا وتفادى ارتكاب الأخطاء السابقة فى تجاهلها قبل ان يزحف اليها تركيا وقد بدا بالفعل فى زيارة وفد له الى صوماليلاند موخرا والتفاوض مع الحكومة فى وجود دور تركى بارز فى صوماليلاند وقيام مشروعات تركية
يقومون بتنفيذها فى المستقبل ، الا انه مما يشكر لقادة صوماليلاند التحفظ ورفضهم طلبا تركياخاصا باغلاق مدرسة تركية تابعة لفتح الله عولن فى هرجيسا وأنه ليست هناك ثمة مساومة فى هذا المضمار.
ان على السعودية احتذاء بالامارات الشروع فى التعامل مع صوماليلاند مباشرة والسماح باستخدام جوازها الى السعودية ورفع الحصار عن استيراد مواشى صوماليلاند والبدء فى فتح سفارا ت لهم او قنصليات كما هو شان تركيا وإثيوبيا وجيبوتى واللاى لهم قنصليات فى هرجيسا لرعاية مصالحهم.
ان زمن التلكا والتردد فى اتخاذ القرارات السياسية فى ظل التغيرات المتسارعة فىً المنطقة قد ولى الى الأبد وان على دول الخليج التعجل فى اغتنام هذه الفرصة الذهبية لحماية ظهرهم والوقوف امام اطماع ايران والحوثيين وحلفائهم من تركيا وقطر.
ان حلم اعتراف صوماليلاند على وشك رؤيته النور عقب اعلان المملكة المتحدة فى افتتاح قنصلية لها فى هرجيسا كما سمحت دول عديدة من قبل من مثل جنوب افريقيا وغيرها فى التعامل مع صوماليلاند وجوارها كدولة امر الواقع . فهل على دول الخليج السبق فى ضم شقيقتهم صوماليلاند الى حضنهم قبل تلقفه من قبل انتهازيين ومنفعيين بمسوح دول واعترافهم بها دولة مستقلة، لان رياح اعتراف صوماليلاند بدأت تهب فى اتجاهها
عثمان فارح
كاتب ومحلل صوماليلاندى