شهدت التجرية الديمقراطية في جمهورية أرض الصومال أو صوماليلاند كما يحلو لأهل هذه الرقعة الجغرافية المنسية من الوطن العربي الكبير، في تاريخ 13 /11 /2017 سابقة تاريخية أحدثت نقلة نوعية في الممارسة الديقراطية والتعددية الحزبية وذلك من خلال انتخابها رئيسا جديدا بالاقتراع الشعبي المباشر.
وتم من خلال العملية الانتخابية انتقال السلطة سلميا وللمرة الخامسة على التوالي إلى الرئيس موسى بيحي عبدي الأمين العام لحزب الوحدة والتنمية وهو ضابط سابق في سلاح الجو الصومالي وأيضا قيادي بارز في الحركة الوطنية الصومالية التي قادت المعارضة المسلحة في الشمال الصومالي والتي أطاحت بحكم الدكتاتور سياد بره.
قبل الغوص في أعماق هذه التجربة الديمقراطية الناشئة لسبر أغوارها تقتضي الضرورة أن نتطرق إلى الخلفية التاريخية لأرض الصومال لتسليط الأضواء على هذه الجمهورية التي بالكاد يعرفها القليل في العالم العربي من فرط التعتيم الإعلامي.
تشكلت جمهورية صوماليلاند من الإقليم الشمالي الصومالي الذي كان يعرف في الحقبة الاستعمارية وتحديدا الاستعمار البريطاني بمحمية أرض الصومال. وتتألف الجمهورية من 6 محافظات ومساحتها 137 ألف كيلومتر مربع، تحدها إثيوبيا من الجنوب والغرب وجيبوتي من الشمال الغربي وخليج عدن من الشمال وولاية بونتلاند الصومالية من الشرق ويبلغ عدد السكان 4 ملايين من القبائل المختلفة التي تشكل كتلة بشرية متجانسة.
يبسط النظام سيطرته على كامل تراب الإقليم الشمالي إلى جانب مجلس نيابي منتخب ومجالس محليات منتخبة وفقا للتقسيم الجغرافي ومجلس شورى منتخب أيضا على أساس التوزيع العشائري وبالتالي فإن أرض الصومال هي عبارة عن نظام هجين يمزج النظام الديمقراطي الليبرالي بالتمثيل النسبي التقليدي لكافة أنواع الطيف العشائري في مراكز صنع القرار.
إن المزج بين الحداثة والأعراف التقليدية يعتبر ضرورة لا مفر منها في مجتمع يشكل فيه الانتماء القبلي رقما صعبا في المعادلة السياسية، وبالتالي من هذا الفهم لطبيعة الوضع الواقعي للحالة الصوماليلاندية فإن الحاجة تستلزم باستمرار اجتراح حلول استثنائية تتسم بقدر هائل من البرغماتية للتعاطي مع خصوصية الساحة السياسية الصوماليلاندية.
لم تكن وحدة الشطرين الشمالي والجنوبي يوما من الأيام الغاية التي تصبو الأمة إلى تحقيقها بقدر ما كانت هذه الوحدة مقدمة لتحقيق الحلم التاريخي المتمثل بتحقيق الصومال الكبير بأجزائه الخمسة
بالرغم من الموارد الشحيحة فإن التطبيق العملي لكافة مفردات عملية اللعبة الديمقراطية بمختلف أبعادها بما في ذلك عمليات التبادل السلمي للسلطة وحرية التعبير يتم بطريقة مثالية إلى حد ما من خلال منظومة سياسية تسمح بالتعددية الحزبية، وبالفعل تتواجد على الساحة السياسية ثلاثة أحزاب سياسية (حزب الوحدة والتنمية والحزب الوطني وحزب العدالة والرفاهة). وعلى ضوء الوقائع والمعطيات فإن البيئة مواتية للبناء على هذه التجربة الفتية القابلة للتطوير والنمو وصولا إلى إيجاد صرح ديمقراطي ينسجم مع خصائص القواسم المشتركة المتعارف عليها في الديمقراطيات المعاصرة وانطلاقا من هذا الطموح المشروع فقد سخرت الدولة كافة إمكانياتها لتوظيف أحدث التقنيات وأكثرها تعقيدا لتكون الانتخابات الأخيرة خالية من أي أعمال مخلة باللوائح الانضباطية باستثناء بعض الحالات التي رصدها المراقبون الدوليون والتي لا ترقى على حد تعبيرهم إلى مستوى التأثير على نتيجة الانتخابات.
جاءت النتيجة النهائية مرآة عاكسة للرغبة الحقيقية للشارع السياسي وذلك بفوز حزب الوحدة والتنمية بنسبة 55 بالمئة من الكتلة الانتخابية. وأسوة بالانتخابات في الديمقراطيات العريقة فقد ظهرت على السطح بعض الهنات التي ما انفكت تتكرر في جميع الانتخابات المحلية والمتمثلة بعدم الالتزام بالعمر القانوني للناخبين، لكن عموما فإن الانتخابات الأخيرة تعتبر بكل المقاييس من أنجح المحاولات الانتخابية التي تم تنظيمها منذ الاستقلال.
إن ظهور جمهورية أرض الصومال إلى حيز الوجود هو نتاج لنضال مرير قادته الحركة الوطنية الصومالية وبعد مخاض عسير بفضل حكمة النخبة المثقفة والوعي السياسي النسبي المتقدم للقوى الحية في القاعدة العريضة مقارنة ببقية أجزاء ما كان يعرف بجمهورية الصومال الديمقراطية.
بالمقابل فإن الجنوب على الرغم من الكم المهول من الدعم الدولي والإقليمي لا يزال يراوح مكانه. وفي مثل الواقع على الأشقاء العرب أن يتفهموا لوغريتما السياسة الصومالية وأن عبارة المحافظة على الوحدة وسلامة الأراضي الصومالية في البيانات الختامية في كافة المؤتمرات العربية لن تجدي نفعا وتنطوي على قدر هائل من الاجحاف والظلم في حق الجماهير في الشمال الصومالي.
ومع كل التقدير وتفهمنا لمناشدات كافة العرب وإصرارهم على المطالبة بوحدة التراب الوطني الصومالي إلا أن الواجب يقتضي أن نعترف بأن هذه المناشدات النبيلة في ظل بيئة سياسية غير صالحة لقيام كيان وحدوي قابل للحياة سوف تؤدي في المحصلة النهائية إلى وأد مشروع ولادة دولة صومالية عصرية.
لم تكن وحدة الشطرين الشمالي والجنوبي يوما من الأيام الغاية التي تصبو الأمة إلى تحقيقها بقدر ما كانت هذه الوحدة مقدمة لتحقيق الحلم التاريخي المتمثل بتحقيق الصومال الكبير بأجزائه الخمسة والذي لا يزال يراود الكثير من الوطنيين الحقيقيين الذين لم تعترهم روح الانهزامية.
لكن فشل هذه الوحدة الثنائية وثبوت عدم استعداد المكون الجنوبي لظروف ذاتية وموضوعية تحفل بها الساحة الجنوبية الصومالية لأي حوار يفضي إلى إيجاد صيغة واقعية ومنطقية لحل إشكالية الوحدة الثنائية الصومالية يدفعان إلى التأكيد على ضرورة مراجعة النظرة العربية إلى ما يجري في هذه الرقعة من الأرض العربية من خلال تعامل واقعي يدعم الحكومة المنتخبة الجديدة.
كاتب صومالي
https://alarab.co.uk